كلمة العدد الثالث

 

 

كلمة العدد الثالث


        في خضم هذا الاكتساح الهائل الذي تحدثه العولمة في العالم من اندثار الحدود السياسية والثقافية المدعومة بوسائل حديثة كالإنترنت والفضائيات التلفزيونية الذي من شانه أن يدمّر آخر قلاع خصوصية الشعوب الثقافية. وتجعل من العالم طرازاً واحداً ومن الحياة أينما كانت على نمط واحد وبأسلوب متشابه , في المأكل والمشرب والملبس والأسواق ، في هذا الخضم الذي يكرس أنموذجاً  واحداً للكون أضمحلت شيئاً  فشيئاً خصوصية المجتعمات وعلى المدى البعيد ستمحى هوية كل شعب من الشعوب لعدم قدرة  هذه الهوية على مقاومة هذا التيار أو حتى مجرد الصمود في وجهة .

      تسعى العولمة إلى السطو على تراث الأمم المنتسبة إلى إرث حضاريّ عظيم، لتعيد صياغته وفق أهدافها الماديّة، ومن ثم تعيد تصديره ،بعد إخفاء خصوصيته،ويبقى التراث العامل الرئيس لتشكيل هويّة الأمم الثقافيّة، وبخاصة الهويّة الثقافيّة، لأنّ للتراث دورًا أساسًيا في تدعيم الروابط القوميّة، فالتراث هو الرصيد الأساس والمكون الأول لجوهر الهوية ، وعندئذ نستطيع أن نحصن ذواتنا من تجارب شخصية أصبح معظمها منتهي الصلاحية. فالتراث هو الفضاء النابض بالحياة والحركة والديمومة والنماء، وهو الإرث الفكري المتراكم بفعل جهود الأجيال المتعاقبة  التي أنتج حراكها الفكريّ مخزون الأمّة التراثيّ والحضاريّ الراشح بخبرات إنسانيّة أنضجت التصورات وابتكرت  المفاهيم والمعتقدات والقيم والعادات والتقاليد وصاغت الرؤى في فنون أدبيّة ونظريات علميّة تحرّض على التفكير والخلق والإبداع في شتى المجالات الفكريّة.

   ويتمايز تراث الأمم الحيّة بموروث قيميّ قابل للحركة بما يشمل من معارف وتجارب وخبرات إبداعية , من أهم ما يميز الشعوب وتنفرد به شخصيتها , فثقافة أي مجتمع هي تراكمية في نشاطه الابداعي والمعرفي والنشاط الاسكاني وخلاصة للتجارب والمكتسبات الحياتية المعبرة عن الخصوصية والتمايز , وفيما يعني التراث الشعبي جزءاً من هذا التحصيل الهائل الذي اكتنزه الريف على مدى  عصور وأزمان, ولكن من الملاحظ أن هذا الموروث ركن جانباً بدعاوى مجحفة عديدة عبرت عن قصور في الفكر وتشوش في الرؤى .

    وعلى الرغم من الدعوات العديدة التي أطلقت ونادت منبهة الى ضرورة الالتفات الى التراث الشعبي , إلا إن الإستجابة لم تمكن بالمستوى المطلوب التي تتناسب وحجم التحديات مع قصور واضح من قبل الجهات الحكومية الرسمية المتمثلة بمراكزها البحثية أو الجامعية في ذات الوقت الذي قطعت فيه بقية الأمم أشواطاً بعيدة في العناية بهذا الجانب من موروثها، فأنشات المعاهد المتخصصة ومراكز البحث العلمي وارشيفات التوثيق فجمعت ودونت ووثقت وحفظت كل ما يمت الى تراثها بصلة .

    ونحن في مجلتنا هذه نحاول أن تكون  لنا بصمة  في المحافظة على هذا الموروث الشعبي من التلاشي والضياع ، بموت حفظته فتحية من القلب لكل من ساهم وسيساهم في جعل هذا المجلة (صدى الريف) بحق رسالة التراث الشعبي والريفي الى العالم .

                                                                             رئيس التحرير

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشيخ الدكتور غسان الملاح